حسين ميزو مورتو... حاكم الجزائر الذي قهر فرنسا
من هو حسين ميزو مورتو؟
هو قائد
بحري عثماني، إيطالي الأصل
كما يظهر من كنيته "ميزو مورتوMezzo Morto " و تعني نصف ميت، وذلك بسبب يده اليسرى المبتورة في الحرب.
أسلم و حسن إسلامه، فحج البيت الحرام، و
اشتهر بالكرم والحلم و حب العلم وأهله، شجاعا داهية في تدبير شؤون الحرب و إدارة
أمورها،عارفا بسياسات الدول و الملوك و
ذلك ما جعله كفؤا لتبوء عرش الجزائر.
العلاقات الجزائرية الفرنسية
كانت العلاقات الجزائرية الفرنسية في أغلب
الأحيان متذبذبة غير مستقرة، بسبب استياء فرنسا من نشاط الأسطول الجزائري في البحر
الأبيض المتوسط من جهة، و بسبب الأطماع الفرنسية القديمة المتجددة في الجزائر من
جهة أخرى.
تفاهم و غدر
سنة 1681
تم الإتفاق بين الجزائر و فرنسا على إطلاق سراح الأسرى من كلا الجانبين، لكن و في الوقت الذي وفى فيه الجزائريون بالتزاماتهم، رفض الطرف
الفرنسي إطلاق سراح
الأسرى الجزائريين و أرسلوهم عبيدا لخدمة المراكب و السفن الفرنسية الموجودة بالمشرق.
إعلان الحرب
على إثر ذلك ثارت ثائرة الديوان الجزائري، وأجمع على
إعلان الحرب على فرنسا يوم 18 أكتوبر1681، و ظهرت نتيجة ذلك في استيلاء الرياس الجزائريين على 29 سفينة فرنسية و 300 أسير.
الحملة الفرنسية على الجزائر
![]() |
الهجوم على مدينة الجزائر سنة 1682 |
نتيجة الأوضاع السابقة الذكر، شنت فرنسا حملة على الجزائر سنة 1682م، بقيادة الأميرال
دوكين، الذي حل بالسواحل الجزائرية
على رأس عمارة حربية متكونة من 36 سفينة، حيث قذف مدينة
شرشال بالمدافع يوم 25 جويلية لينتقل إلى مدينة الجزائر ويقوم
بقصفها عدة مرات شهري أوت و سبتمبر بأكثر من 200
قذيفة ثم يغادر عائدا إلى فرنسا
خوفا من عواصف الخريف.
و قد كان
هذا الهجوم مثار سخرية الجزائريين،
إذ أن المصاريف التي كلفها لم تكن
تتلاءم مع النتيجة
التي كانت عبارة عن صفر.
و قد أراد الفرنسيون محو هذه السخرية،
فأرسلوا دوكين من جديد في العام الموالي و قد أمروه بتدمير مدينة الجزائر عن بكرة
أبيها، فخرج على رأس عمارة حربية مكونة من 80 قطعة بحرية، وشرع في قصف المدينة
يوم 26 جوان 1683م، و ردت حصون المدينة بالقذائف، و استمر القصف طوال يوم كامل.
يقول محمد بن رقية التلمساني أن حاكم
الجزائر آنذاك "بابا حسن" خاف لما سقطت قذيفتين على داره، فسارع دون طلب
مشورة أحد إلى طلب الصلح من النصارى، و طلب منهم أسرى المسلمين، ولكن دوكين رفض و
اشترط تسليم أسرى فرنسا و تعويض مصاريف حملته.
رضخ الداي لشروط الفرنسيين، وشرع في البحث
عن أسراهم و جمع منهم 500 أسير إلى غاية 5 جويلية 1683، كما أرسل للفرنسيين رهائن
من رياس البحر الجزائريين من بينهم حسين ميزو مورتو.
بعد أسبوعين من التفاوض لم يتمكن بابا حسن
من جمع مليون و نصف المليون من الجنيهات التي اشترطها دوكين كتعويض عن الحملة
الفرنسية، فطلب مهلة، و قد شهدت مدينة الجزائر في هذه الأثناء انقساما بين مؤيد
للصلح و معارض له، و كانت طائفة رياس البحر من أشد المعارضين للصلح مع فرنسا.
في هذه الأجواء المشحونة، و بدعوى تسريع
المفاوضات و البحث عن المال، طلب ميزو مورتو من دوكين إطلاق سراحه قائلا أنه سيفعل
خلال ساعة من الزمان ما عجز عنه الداي بابا حسن خلال خمسة عشر يوما.
و عندما تم إطلاق سراح ميزو مورتو، و علم
الجزائريون شرط دوكين المتمثل في دفع مليون و نصف المليون من الجنيهات كتعويض عن
حملته، عم السخط على الفرنسيين المدينة و رجحت كفة أنصار الإستمرار في الحرب،
حينها اغتنم الحاج حسين ميزو مورتو الفرصة و كلف أحد أتباعه "ابراهيم
خوجة" باغتيال الداي بابا حسن، و عند سماع المسلمين بمقتله فرحوا فرحا شديدا،
و نصبوا مكانه باتفاق أهل الحل و العقد كبيرهم و صغيرهم الحاج حسين ميزومورتو، كما
يقول محمد بن رقية التلمساني.
و بعد انتخاب الحاج حسين ميزومورتو دايا على الجزائر، قرر مقاومة الهجوم الفرنسي بكل الوسائل، فاعتقل القنصل الفرنسي "لوفاشي" الذي كان متهما بالخيانة في الوساطة بين الجزائر و فرنسا، و جمع معه حوالي 24 فرنسيا، وضعهم أمام فوهة المدفع الكبير "بابا مرزوق"، و قذف بهم سفن الفرنسيين، أطلق فيما بعد الفرنسيون إسم "القنصلي" على هذا المدفع، و هو من بين الأشياء التي استحوذت عليها فرنسا خلال احتلالها للجزائر بعد أكثر من قرن و نصف على الحادثة، و هو متواجد اليوم وسط مدينة برست الفرنسية محاطا بسياج حديدي كأقدم أسير جزائري لدى فرنسا.
![]() |
مدفع بابا مرزوق وسط مدينة برست الفرنسية |
استمر القتال إلى شهر أكتوبر، انتهت الحرب
بتغلب الجزائريين على العدو فاضطر للانسحاب، مؤكدا وعده بالإفراج عن الأسرى المسلمين،
و كان عددهم 1400 أسير، و قد كلفت هذه الحملة الخزينة الفرنسية أكثر من خمسة و
عشرين مليونا.
إبرام الصلح
بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها الخزينة
الفرنسية بسبب حملة الجزائر، أرسلت فرنسا مبعوثا للتفاوض، و قد تم توقيع معاهدة
سلم مع فرنسا لمدة مائة عام يوم 2 أفريل 1684م ومن أهم بنودها: إطلاق سراح الأسرى
الجزائريين لدى فرنسا و الأسرى الفرنسيين لدى الجزائر، وقف الأعمال العدائية من
كلا الطرفين و ضمان أمن البواخر و حرية التجارة في البحر الأبيض المتوسط.
تأزم الأوضاع مرة أخرى
لم تدم هذه المعاهدة التي أبرمت لمدة مئة
عام طويلا، فسرعان ما جدت حوادث عدائية بين بواخر جزائرية و أخرى فرنسية حاول كل
طرف إلقاءها على الطرف الآخر.
و بعد هذه الحوادث التي وقعت صيف سنة
1686م، اتخذ حسين ميزو مورتو احتياطاته العسكرية تحسبا لأي عدوان فرنسي خاصة بعد
أن صمم الطرف الفرنسي على الحرب رافضا عرض الداي بالتفاوض.
و فعلا، وصلت قوات الماريشال ديستري أمام أبواب
مدينة الجزائر يوم 26 جوان 1688 و أرسل إلى الداي مهددا أن استئناف عمليات القمع
ضد الفرنسيين مثل التي ارتكبت سنة 1683م سيقابلها الطرف الفرنسي بردود مماثلة، لكن
الداي أجابه بأنه فيما إذا أقدم الفرنسيون على قنبلة المدينة سيكون القنصل الفرنسي
أول ضحية للإعتداء، و أرسل الداي يقول للقائد الفرنسي على الأخص أنه "يعتبر
هذا النوع من الحرب غير شريف و أن ذلك لن يحمله على تغيير موقفه في الصمود ضد
الفرنسيين حتى و لو كان والده من بين الأسرى المهددين بالموت، أما إذا كان القائد الفرنسي
مستعدا للحرب الشريفة فسيتولى الداي بنفسه حماية الأسرى الفرنسيين".
شرع الفرنسيون يطلقون القذائف يوم الفاتح
من جويلية 1688 و استمروا كذلك إلى اليوم السادس عشر من نفس الشهر، فبلغ عدد
القذائف التي أطلقوها عشرة آلاف و أربعمائة و عشرين قذيفة، ألحقت بالمدينة دمارا
كبيرا لم تنجو منها لا المساجد ولا حتى دار الداي نفسه، ومع ذلك لم يكن من شأنها
أن ترعب الداي، الذي لم يكتف برفض النزول عند مطالب الفرنسيين بل كان دائما يشاهد
في الصفوف الأمامية يخوض المعركة بنفسه و قد أصيب خلالها مرتين.
و في تكرار لحادثة القنصل الفرنسي لوفاشي ،
اقتيد يوم الثالث من جويلية القنصل الفرنسي أندري بيول رفقة خمسة عشر من البحارة الفرنسين إلى المدفع و تم
قذفهم إلى البحر.
لم تفتء الوحدات الفرنسية أن أقلعت منسحبة حتى
سارع الداي بتسليح البواخر الحربية الجزائرية و انطلق الرياس يتربصون بكل البواخر
الفرنسية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
رضوخ فرنسي
وجدت فرنسا نفسها مهددة في تجارتها و
مواصلاتها مع الشرق خاصة بعد اغتنام الإنجليز للفرصة من أجل احتكار التجارة، لذلك
أرسلت فرنسا إلى الجزائر تفاتحها في إجراء المفاوضات من أجل تحسين العلاقات و
إرجاعها لسابق عهدها، و هكذا تم الإتفاق على تجديد العمل بالإتفاقية السابقة مع
إدخال بعض التعديلات على بنودها و ذلك شهر سبتمبر عام 1689م.
تمرد و انسحاب
بعد هذه الحوادث بقليل شهدت مدينة الجزائر
تمردا لرياس البحر والجنود، طالبوا برأس الحاج حسين ميزومورتو لأنه حسبهم أبرم
الإتفاق دون مشورتهم، و لما وجد أنه عجز عن الصمود في وجههم فضل الإنسحاب إلى تونس
ثم التحق بالقسطنطينية، حيث عين قبطان باشا أي أميرا للأسطول العثماني، وبهذه
الصفة قدم خدمات جمة للسلطان العثماني في عدة حروب، توفي سنة 1701م.
![]() |
الحاج حسين ميزو مورتو |
المراجع
[1] عبد الرحمان بن محمد الجيلالي : تاريخ الجزائر العام، الجزء الثالث، ص.193-194
[2]
مبارك الميلي: تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، الجزء الثالث، ص. 186-193
[3]صالح عباد :
الجزائر خلال الحكم التركي 1514- 1830، ص. 142
[4] H.D
DE Grammont : Histoire D’Alger Sous La Domination Turque, p.256
تعليقات
إرسال تعليق